الجمعة، 20 ديسمبر 2013

ضمانات حقوق الإنسان .. دراســة مقارنــة فــي الدســـتور العراقـــي الدائـــم ...

ضمانات حقوق الإنسان .. دراســة مقارنــة فــي الدســـتور العراقـــي الدائـــم

جريدة الاتحاد - المحامي نبيل ميجر سعد السعد : يمكن القول انه من تفحص دساتير البلدان العربية ومقارنتها بالدستور العراقي الدائم لسنة2005 سيتضح الفرق الشاسع بين الجانبين وسيظهر تفوق الدستور العراقي من حيث وضعه للعديد من الضمانات الهادفة الى احترام حقوق الانسان وحرياته الاساسية. فهذه الحقوق والحريات لايكفي النص عليها في الدساتير, بل لابد من وضع ضمانات للحيلولة دون انتهاكها. وهذه الضمانات تتمثل في عدة جوانب منها: تركيبة النظام السياسي والفصل بين السلطات الثلاث والعلاقة فيما بينها واستقلال القضاء على وجه الخصوص.


   والعبرة اذن في مدى احترام حقوق الانسان لاتكمن في (من الذي يحكم ؟) بل (كيف يحكم)؟.

   ان الدكتاتورية تصنع البيئة المناسبة لمعادات حقوق الانسان . ولايمكن احترام هذه الحقوق الا في ظل الانظمة الديمقراطية الحقة وليس الديمقراطية الظاهرية. وهذه الحقوق غدت الشغل الشاغل للبشرية جمعاء, بحيث اطلق عصر (حقوق الانسان) على العصر الحالي. كما ان السياسة الدولية تتبلور حالياً حول موضوع حقوق الانسان.

    اما وضع الانسان في العالم الثالث فهو وضع لايحسده عليه احد , لان اغلب البلدان العربية وغير العربية من سائر العالم المتخلف تعاني من ازمة تتجلى في طغيان الحكام سواء اكانوا افراداً او احزاب او قبائل ام اسرأ كل ذلك في ظل غياب دولة القانون والمؤسسات الحرة وكثرة انتشار الممارسات الاستبدادية والهمجية المناقضة لابسط حقوق الانسان والحريات الاساسية التي تشكل العمود الفقري لكل نظام ديمقراطي. ويمكن القول ان سبب الكارثة بل الكوارث التي حلت بالشعوب في المنطقة العربية خاصة هو اهدار حقوق الانسان والانتهاكات الصارخة لهذه الحقوق بل طمسها بالمرة.

   وهكذا كان وضع العراقيين ابان العقود السابقة وكان العراق مسرحاً للمهازل فوصل مفوض امن الى رتبة فريق ركن  وبقدرة قادر اصبح وزيراً للتصنيع العسكري وعريف في الجيش لا يحمل الشهادة الابتدائية يحمل فجأة رتبة فريق اول ركن ويتولى وزارة الدفاع وصدام نفسه كان برتبة (مارشال) رغم انه لم يخدم يوماً واحداً في الجيش ! وكان العراقيون يساقون الى المعتقلات بالجملة بعد ما تسلطت على بلدهم عصابة من قطاع الطرق فكيف اذن كانت حقوق الانسان وحرياته الاساسية؟!. ولو نظر المرء الى دستور16 تموز 1970 لوجده يركز السلطة بيد مجموعة تطلق على نفسها (مجلس قيادة الثورة) ويجمع هذا المجلس بين السلطتين التشريعية والتنفيذية ثم (تطور) الامر فاصبح اعضاء هذا المجلس رغم ضحالتهم الثقافية وسلوكهم الاجرامي لاصوت لهم بمواجهة (القائد الضرورة).
     
    ان المشرع الدستوري العراقي في الدستور الدائم قد فصل بين السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية. الا ان الفصل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية لم يكن فصلاً تاماً وهذا هو شأن النظم السياسية البرلمانية المعمول بها في العديد من دول العالم مثل: المملكة المتحدة, اسبانيا, المانيا, هولندا, ايطاليا, اليابان, الهند, لبنان,. الخ. ومن اوجه العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية في الدستور العراقي ما يلي:

1)انتخاب رئيس الجمهورية (سلطة تنفيذية) من قبل مجلس النواب (سلطة تشريعية) وامكانية اقالته .

2)لمجلس النواب سحب الثقة من الوزراء مجتمعاً ومنفرداً .

3)رقابة مجلس النواب على اداء السلطة التنفيذية. أي ان رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء والوزراء يمارسون اعمالهم تحت رقابة السلطة التشريعية. فكل مسؤول في الدولة العراقية ماهو الا موظف يخضع للرقابة والمساءلة فضلاً عن النقد الذي يمكن توجهه له من خلال الصحافة الحرة ووسائل الاعلام الاخرى ومنظمات المجتمع المدني فلقد انتهى زمن (رمز الامةومهندس الثورة وقائد الجمع المؤمن..,الخ). كما ان الحكام مطالبون وقبل كل شيء بتقوى الله تعالى والالتزام بالقانون ولهم في كلمة عمر بن عبد العزيز اسوة حسنة: (الا لاطاعة لمخلوق في معصية الخالق , من اطاع الله وجبت طاعته , ومن عصا الله لاطاعة له, اطيعوني مااطعت الله فيكم فأذا عصيت الله فلا طاعة لي عليكم).

4)تقديم مشروعات القوانين من قبل رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء (م57/ثانياً/أ).

5)لمجلس الرئاسة (الذي يحل محل رئيس الجمهورية في الدورة الاولى فقط) حق الفيتو على القوانين والقرارات الصادرةمن مجلس النواب .

   ماتقدم يشكل صوراً للعلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية الا ان الفصل بين هاتين السلطتين من جهة وبين السلطة القضائية يكاد يكون فصلاً تاماً وحسناً فعل المشرع الدستوري العراقي لان الضمانة الاهم لحقوق الانسان هي وجود قضاء مستقل يلجأ اليه من انتهكت حقوقه خاصة اذا كانت الانتهاكات صادرة من سلطات الدولة. فبمواجهة السلطة التشريعية التي قد تتجاوز على حقوق الانسان من خلال اصدارها قوانين مخالفة للدستور اوجد الدستور الدائم اسلوب الرقابة القضائية على دستورية القوانين وذلك بأنشاء المحكمة الاتحادية العليا وبمواجهة السلطة التنفيذية لابد من وجود قضاء اداري متخصص للنظر في الدعاوي المقامة بمواجهة الادارة أي دعاوى القاء القرارات الادارية. ومعلوم انه توجد في العراق حالياً محكمة واحدة للقضاء الاداري مقرها في العاصمة ولكن الحاجة تدعو الى انشاء محاكم للقضاء الاداري في كل منطقة استئنافية وقد اشار الدستور في مادته98 الى جواز انشاء مجلس دولة أي جهاز قضائي متخصص ومتكامل للنظر في الدعاوى الادارية. واهم ما اتى به الدستور الجديد هو انه منع النص في القوانين على تحصين أي عمل او قرار اداري من الطعن وذلك بموجب نص المادة97منه.       

   وصفوة القول ان حق التقاضي من الحقوق الاساسية التي لايمكن ان يستغني عنها انسان. وهو حق طبيعي حتى وان لم ينص عليه دستور دولة ما صراحة عليه. وقد ورد في القضاء المقارن ان (اغلاق باب التقاضي دون أي مواطن مخالف كل دساتير العالم المكتوبة وغير المكتوبة في نصوصها وفي روحها على انه اذا خلا دستور مكتوب من النص على حق كل مواطن في الالتجاء الى قضاء تؤمن له فيه حقوق الدفاع . فأن هذه القاعدة مستمدة من اوامر العلي القدير ومن الحقوق الطبيعية للانسان منذ ان خلق). ولقد حرصت جميع اعلانات ومواثيق حقوق الانسان الدولية والاقليمية والداخلية على التصريح بهذا الحق. ففي الاعلان العالمي لحقوق الانسان الصادر سنة 1948 , نصت المادة الثامنة منه على انه (لكل شخص في ان يلجأ الى المحاكم الوطنية لانصافه من اعما ل فيها اعتداءعلى الحقوق الاساسية التي يمنحها له القانون).

   كما اكدت الاتفاقيات والعهود الاخرى الخاصة بحقوق الانسان على ضمان حق الانسان في التظلم من أي انتهاكات لحقوقه وحرياته . ومن ذلك نص المادة الثانية من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية للانسان الذي اعتمدته الجمعية العامة للامم المتحدة بقرارها المرقم 2200 في16/12/1966 حيث جاء فيه.
تتعهد كل دولة طرف في هذا العهد:

(أ- بأن تكفل سبيلا فعالا للنظام لاي شخص انتهكت حقوقه او حرياته المعترف بها في هذا العهد, حتى لو صدر الانتهاك عن اشخاص يتصرفون بصفتهم الرسمية .

ب- بأن تكفل لكل متظلم على هذا النحو ان تبت في الحقوق التي يدعي انتهاكها  سلطة قضائية او ادارية او تشريعية ,او أي سلطة مختصة اخرى ينص عليها نظام الدولة القانوني. وبأن تـنمي امكانيات التظلم القضائي .

ت- بأن تكفل قيام السلطات المختصة بانقاذ الاحكام الصادرة لصالح المتظلمين).

   ولان حقوق الانسان تبقى معرضة لتقول سلطات الدولة وخاصة السلطة التنفيذية لان جانباً من هذه السلطة أي الادارة العامة اكثر تماساً مع المواطن من بقية السلطات .لذا لابد من قضاء مستقل للدفاع عن الحقوق المنتهكة . عليه فأن الدستور العراقي اولى مسألة استقلال القضاء اهمية بالغة وقد نصت المادة 84منه على ان (السلطة القضائية مستقلة وتتولاها المحاكم على اختلاف انواعها ودرجاتها وتصدر احكامها وفقاً للقانون) ولكن هذا النص ليس كافياً لجعل القضاء مستقلاً فعلاً . فالمادة 60/أ من الدستور العراقي الصادر في 16/7/1970 تنص على ان (القضاء مستقل لا سلطان عليه لغير القانون) فهل كان القضاء مستقلاً في ظل النظام السابق ؟للاجابة عن هذا السؤال من المفيد استعراض النماذج التالية من الانتهاكات السافرة والتجاوزات المستمرة على عمل القضاء في العهد السابق:

1)من موجبات استقلال القضاء حظر تشكيل المحاكم الاستثنائية الخاصة ولكن النظام السابق كان يكثر من هذه المحاكم اللاقانونية ومنها محكمة الثورة سيئة الصيت ومحاكم طه الجزراوي ونعيم حداد .

2)طُرِد رئيس وعضو محكمة خاصة من جميع مناصبهم لانهم امتنعوا عن اصدار أحكام باعدام مجموعة اشخاص قتلتهم اجهزة الامن قبل تشكيل المحكمة !! والحمد لله كانت هذه الحادثة اوائل السبعينات ولو تأخرت الى مابعد ذلك بسنوات قلائل  لكان نصيب الممتنعين القتل دون شك !!.

3)قررت المحكمة الخاصة لوزارة الداخلية الافراج عن متهمين لعدم كفاية الادلة لكن الطرف الاخر في القضية ذهب شاكياً الى احد افراد عائلة (الرئيس القائد) الذي كتب على عريضة المشتكي (يعادون الى السجن) فما كان من قاضي التحقيق الا ان اصدر امراً بالقاء القبض عليهم وايداعهم التوقيف !! .

4)احد السادة القضاة استدعاه وزير العدل لمناقشة خلاف حدث بين القاضي والفرقة الحزبية وقد اخبره الوزير بأنه على حق لكنه لا يستطيع بمواجهة الحزب الا معاقبة القاضي!! .

   وهكذا فأن استقلال القضاء في العهد السابق امر مستحيل لان الجهاز القضائي يشرف عليه مجلس العدل برئاسة وزير العدل المعين من قبل رئيس النظام. اما الان وبموجب الدستور الدائم وقبله قانون ادارة الدولة للمرحلة الانتقالية تم الاعتراف باستقلال السلطة القضائية التي تتكون وفقاً للمادة86 من الدستور من (مجلس القضاء الاعلى والمحكمة الاتحادية العليا ومحكمة التمييز الاتحادية, وجهاز الادعاء العام وهيئة الاشراف القضائي والمحاكم الاخرى) . أي ان جميع محاكم البداءة والاحوال الشخصية والتحقيق والجنح والجنايات والاستئناف يشرف عليها مجلس القضاء الاعلى وليس مجلس العدل. كما ان رئيس واعضاء محكمة التمييز ورئيس الادعاء العام ورئيس هيئة الاشراف القضائي يرشحون من قبل مجلس القضاء ويوافق مجلس النواب على تعيينهم أي انه لاعلاقة للسلطة التنفيذية بامر تعيينهم.
وحرصاً على نزاهة القاضي وعدالته ولابعاد التأثيرات الحزبية والسياسية عليه نصت المادة 95/ثانياً من الدستور على منع القاضي وعضو الادعاء العام من (الانتماء الى أي حزب او منظمة سياسية او العمل في أي نشاط سياسي) كما منع الدستور عزل القاضي الا في الحالات التي يحددها القانون.
الخاتمة :

    مما تقدم يلاحظ ان الدستور العراقي لسنة 2005 حاول جاهداً تقديم افضل الضمانات الممكنة لحقوق الانسان وحرياته الاساسية لاسيما مع التأكيد على استقلال القضاء وفسح المجال امام المواطن لممارسة حق التقاضي اضافة الى الضمانات الاخرى المتعلقة بالمساواة والجنسية وحقوق المتهم وشخصية العقوبة والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. الا ان الدستور لم يطبق بعد ولهذا فعند التطبيق لابد ان تظهر ثغرات وسلبيات من شأنها تشكيل مناطق واهنة في خط الدفاع عن حقوق الإنسان .

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظة © 2014 المكتبة القانونية
برمجة : يعقوب رضا